July 31, 2007

كل شهر وانتم طيبين॥ ده مش المرتب!!



الأصدقاء والأعزاء
من حدثوني ومن مروا من أمام الباب
ومن دقوا على الباب
ومن دخلوا من الباب
أعلمكم بأني سعيد للغاية هذا الشهر،
لماذا؟؟
لأنه انتهى أولا..
وثانيا لأني شفتكم كتير برضه وقريت لكم تقريبا كلكم..
صحيح لسه فيه حاجات كتير محتاجة قراءة أكبر وأعمق وأكتر لكن على قد ماقدرت..
كده نكمل أول شهر في تلك المدونة..
أتمنى لكم جميعا كل الخير والمحبة
زين

عقد عرفي



عقد عرفي
قصة قصيرة
كانت تلك المرة الأولى لنا كشهود لعقد عرفي، وكان صاحبنا الثالث هو العريس، كنا جالسين في الحافلة نتضاحك رغم الرطوبة الممسكة بصدورنا، تحاول أن لاتذهب أو تتزحزح، كنا نتحايل عليها بضحكنا وتطلعنا في وجوه الجالسين، استغرقت بنا الحافلة ساعة تقريبا حتى وصلنا، ثم أخذنا ندور في الأزقة والحواري حتى اهتدينا إلى مقصدنا، بمرور الوقت توقف الحوار وأخذنا نقلب البصر في الفراغات المتاحة وساكنيها من الأشياء المتناثرة، كان العريس أكبرنا سنا وكنت متأكدا بأنه يبحث في ذاكرته عما سيحتال به على عروسه الجديدة، هل ينقص من عمره عشر سنوات، أم أنه سيبتلع تلك الحبوب السحرية فتنقص من عمره عشرة أخرى، وكان عليه قبل أن نأتي أن يخضع لعملية صبغ شعر لم تفلح تماما أن تنقص من عمره الكثير، تبقت تلك الخصلة البيضاء في نهاية قفاه، كان يحاول مداراتها وهو يضحك:
- الصبغة خلصت لحد كده !
لم يعرف أيضا ماذا يفعل في تلك التجاعيد الممتدة على صفحة وجهه، إلى أن اكتشف لها علاجا عبارة عن دهان سحري فرنسي يمكنه أن يخفيها تماما، وإن كان الطبيب قد حذره من الافراط فيها خشية إصابته بمرض جلدي عويص، لكن يبدو أنه لم يأبه بهذا التحذير فدفع بالدهان إلى رقبته ليتخلص منها، باختصار كان عمره الحقيقي غير معروفا في تلك اللحظة على الإطلاق، كان قد أنقص من عمره حوالي العشرين عامل أو يزيد قليلا وكان مرتاحا تماما لنتائج ماقام به.
أما صديقي الشاهد الأول، فكان متحيرا بما سيوقع به العقد العرفي الأول في حياته، كان شاهدا فقط، وماضير أن تكون شاهدا، فتسجل اسما ليس اسمك، ووظيفة سرية لاتعمل بها، وعنوان مجهولا ليس له في الحقيقة وجود، وفي النهاية توقع بحروف لاهي بالعربية ولاهي باللاتينية "وإنما تقترب من الصينية - شكلا – مادمت لاتعرفها أيضا"، بذلك يمكنه طمس معالم شخصيته كلها، فلايعرف أحد من في الحقيقة قد ترك توقيعه على هذا العقد!.
أما أنا فلم يكن يضيرني الأمر كله، فقد حسمت الأمر تماما منذ البداية، فالحقيقة ليس لها مكان بين العروسين، وبالتالي فلامعنى لوجودها بيننا وبين العريس، ومادمنا لم نتشرف بمعرفة العروس من قبل، تصبح الحقيقة في تلك اللحظة، محض هراء ودجل "أليس كذلك!"، الحقيقة إذن ليس لها مكان، ولن تكون أبدا مانعني، وهكذا حين دخلت من الباب الذي كان قد فتح ونحن نصعد الدرج وأطلت رأس من فوقه لم أستطع أن أتحقق من ملامحها جيدا، وحين دخلنا منه كنت آخرهم في الصف، سلمت بدوري على اليد المعروقة التي ترك عليها الزمان كثير من الدمغات المتباينة بين حروق وجروح وتجاعيد ذات أشكال واتجاهات مختلفة، كانت لوحة فنية قاسية ليد أم العروس، ورغم ذلك كانت المرأة تجلس في هدوء واطمئنان، تصدر عنها بعض الحشرجات والتمتمات مع ابتسامة غريبة لاتغادر وجهها الغائب في الظلام في نهاية الصالة التي جلسنا بها.
أما العروس فكانت تحاول أن تظهر أكبر قدر من المرح، كنت أشعر ببهجتها الداخلية، وكان نهداها قد برزا قليلا خارج مكمنهما، وكان يمكن بسهولة رؤية بعض العروق الخفيفة التي تناثرت على سطحهما رغم البودرة التي نثرتها فوقهما، وكان فستانها قصيرا يكشف عن قدمين قويتين بضتين لايعيبهما بعض الأظافر المهشمة أو المتآكلة الأطراف، وربما لم تلاحظ هي ذلك، وكانت سنتها الأمامية بها جزء مكسور مع بروز خافت فيها يضفي على وجهها الأحمر بعض البلاهة الخفيفة، لكنها كانت تبدو جميلة، وكنت أدرك أنها قدمت عرضا جيدا للعريس ولنا.
كنت جالسا أملأ ورقة العقد العرفي، وكنت أدرك أنه لاتوجد كلمة واحدة حقيقية فيه، حتى اسم العروس لاأدري لماذا انتابني احساس غامض بأنه ليس اسمها الحقيقي، توقفت قليلا عند تاريخ وفاة زوجها السابق الي كان يبدو أنه لم تمر عليه عدة أسابيع، وحين قدمت لنا الشاي والحلوى أدركت بأن كل شئ معد للمرح والضحك، كان كل شئ مضحكا ومزيفا، أو مزيفا ومضحكا، وكان هذا الأمر في حد ذاته أقوى الأشياء التي دفعتني للابتسام، حين اقترب العريس من رأسي وكانت معه رأس صاحبي الشاهد الثاني أيضا:
- هل في العالم حقيقة أحسن من كده..
هززت رأسي الذي كنت أراه منفصل عما يحدث، فقد قال لي صديقي فجأة أيضا:
- إيه العلاقة بين العريس والعروسة وأم العروسة وبيني وبينك في هذه اللحظة؟
أدركت أن صديقي أيضا كانت تنتابه نفس الأفكار، كنت متأكدا تماما أنا وصديقي بعد أن قمنا بالتوقيع أن لاشئ، لاشئ في هذا العالم يستحق أن يكون حقيقيا، حين يتعلق الأمر بممارسة رغباتنا لايمكننا البحث في تلك اللحظة عن الحقيقة، لكني كنت متأكدا من أن ابتسامة المرأة العجوز الماكرة الغريبة، كانت هي الوحيدة التي يمكن أن أدعي بأنها حقيقية لدرجة الرثاء.

July 30, 2007

من أشعار كفافيس



هذه بعض من أشعار كفافيس من خلال كتابه :
مختارات من ديوان كافافيس
شاعر الأسكندرية (1863-1933)
الترجمة الكاملة عن اليونانية للدكتور نعيم عطية


1- أيام الغد تقف أمامنا مثل صف من الشموع الصغيرة الموقدة، شموع صغيرة ذهبية حارة ومفعمة بالحياة.
( شموع – ص 20)
2- مثلما يتصرف الملوك – هكذا قالوا – بل ذهب .. يخلع جلبابه الموشى بالذهب ويلقي بخفه القرمزي ثم ارتدى مسرعا ثوبا.. بسيطا وتسلل خارجا مقلدا بذلك الممثل، الذي عندما ينتهي العرض.. يبدل ثيابه ويرحل.
(الملك ديمتريوس – ص 22)
3- ذهبت إلى الملك ارتاكسيركسيس.ز فأدخلك إلى بلاطه مرحبا.. يعرض عليك أقاليم، وماشابه ذلك، يوليك حكمها.. فتقبل منقبض النفس شقيا.. هذه الأشياء لاتريدها.. بل أشياء أخرى تطلبها روحك، وعلى غيرها تبكي.
(الولاية – ص33)
4- لاتتردد أن توقف ركبك، لاتتردد أن ترجئ كل قول وعمل، لاتتردد أن تنحي جانبا.. أولئك الذين يحيون وينحنون(سوف..لاتراهم فيما بعد)ولينتظر مجلس الأعيان أيضا.
(الخامس عشر م مارس – ص ص 34،35)
5- عندما تسمع في منتصف الليل فجأة، فرقة من المغنين، تمر في الطريق، غير مرئية،بموسيقاها الصاخبة، بصياحها الذي يصم الآذان، كف عن أن تندب حظك الذي ضاع، وخطط حياتك التي أخفقت، وآمالك التي أحبطت، دع عنك التوسلات غير المجدية.
(عندما تخلى الآلهة عن أنطونيوس – ص 35)
6- إذا كنا قد حطمنا تماثيلها، إذاكنا قد طردناها من معابدها فهذا لايعني على الإطلاق، أن الآلهة قد ماتت.
(أشياء منتهية – ص 36)
7- يتبعه اليونانيون (اليونانيون!) فيما يرى وفيما يفعل
دون مناقشة أو جدال
بل ودون حاجة إلى انتخابات بعد الآن:
فهم يتبعونه، ويتبعونه في كل الأحوال.
(هيرودس أتيكوس – ص 41)
8- يجب أن تكون الكتابة كالمعتاد باليونانية، لامبالغات أو اطراءات طنانة – لانريد أن يأخذ حاكم الولاية الأمر على محمل سئ، فهو على الدوام يتشمم، ويبعث إلى روما بالتقارير – ولكن العبارة يجب أن تتضمن بالطبع تكريما استحقه.
(محب للهيلينية – ص 41)
9- لذا هرع إلى الاحتفال أهل الأسكندرية
يملؤهم الحماس يهتفون
باليونانية والمصرية، والبعض بالعبرية يهللون
مفتونين بالمشهد الجميل
على الرغم من أنهم يعرفون قيمة كل ذلك حقا، ويدركون كم هي جوفاء ألقاب الملوك.
(ملوك الأسكندرية – ص 43)
10- مضى بجشع يكنز ذهبا وفضة، وراح يحملق في الثروات التي تخطف أكوامها ببريقها ناظريه.
أما بالنسبة للانشغال بالبلاد، وتصريف شئونها، فلم تكن لديه أدنى فكرة حتى عما يجري حوله.
(أورفيرينيس – ص52)
11- لابد أن نهايته على نحو ما دونت، لكن هذا التدوين قد فقد، أو ربما مر التاريخ بهذه النهاية مر الكرام، ولم يكترث حقا أن يسجل شيئا بمثل هذه التفاهة.
(أورفيرينيس – ص53)
12- هذا أفضل، على أي حال، لأنه وهو يرقد في هذه المدينة الساحلية، ميتا، سوف يظل أقرباؤه يأملون دوما أن لازال حيا بين الأحياء.
(في مدينة ساحلية – ص 69)
13- لم ينزعج نيرون عندما سمع
في ديلفي نبوءة العراف تقول:
"عليك أن تخشى الثالثة والثمانين"
إنه في الثلاثين، والمهلة التي منحتها له الآلهة
مديدة، فلا داعي لأن يشغل باله منذ الآن بما يدخره له الغد من أخطار السنين
(نهاية نيرون – ص 71)
14- على أن كاهنات معبد دلفي، بعد أن تلقين الهدايا، انتابهن القلق، عما سيطلب منهن تقديمه مقابل هذه الهدايا القيمة. وقد استخدمن حنكتهن كلها ليقررن من من الإثنين، من ذينك الاثنين، ستصدر النبوءة في غير صالحه ومن ثم يجب أن يتقى غضبه.
(رسل من الاسكندرية – ص 73)
15- بكلام وتظاهر، وأحابيل، سأصنع لنفسي درعا فائقا، أواجه به الأشرار دون أن ينتابني منهم خوف أو خوار.
سيؤيدون الإضرار بي، ولكن مامن أحد يقربني سيعرف أين تكمن جراحي، وأين نقاط الضعف في، تحت درع الخداع الذي أرتديه.
(إيميليانوس مونائي، السكندري – ص 77)
16- هذه الغرفة، كم أعرفها، تؤجر الآن. هي والغرف المجاورة، مكاتب تجارية، البيت أضحى كله محال سماسرة، وتجار ، ومقرا لبعض الشركات.
(شمس الأصيل – ص 82)
17- تواعدنا على اللقاء بعد أسبوع، أسبوع لاأكثر....
ولكن ياللقدر، صار هذا الأسبوع الدهر كله.
(شمس الأصيل – ص 83)
18- ولكن الأسى الوحيد الذي عرفته حقا هذه المرأة الطموح،
وتكاد تكون هذه حقيقة مؤكدة، الأسى الوحيد القاتل، الطعنة النجلاء التي لم تتلق غيرها
(على الرغم من أنها لاتعترف أبدا بذلك)
أنها لم تفلح، رغم كل دهائها،
في الاستيلاء على المملكة.
(أناه كومنينوس – ص 85)
19- يا أيها الشجعان الذين حاربوا.
دون أن يخشوا أولئك الذين خرجوا من كل الحروب منتصرين.
لاتثريب عليكم إن كنتم قد هزمتم، فلم يكن الخطأ منكم، وبكل إباء وجلال هزمتم.

(أولئك الذين حاربوا من أجل الوحدة الأيونية – ص 97)

20- صفوة القول :
" أني أسجل عليكم عدم الاكتراث بالمقدسات"
قال ذلك بطريقته المهيبة!
قال "عدم الاكتراث " تصور!
ولكن مالذي كان يأمله في النهاية؟
فليهتم بتنظيم أمور الكهنوت، قدر مايحلو له.

(يوليانوس يسجل عدم الاكتراث – ص 99)

July 25, 2007

احلم




احلم
احلم
وحقق وابتسم
وتعالى فى حضني واترسم
واحلم كمان
بفيونكه حمرا صغيره
ماللى جرى
كانت عيونه مسبله
فاتحلى سكة واسبله
كانت شفايفه مسبحه
وحته منهم مسبحة
احلم معايا
بيوم جديد

July 24, 2007

من جوال أشعاري - صباح ثوري




فى الصباح
تمسح عيناي سطح النهر وأنا أسير فوقه سريعا
ألمح عيناك هناك شلال من السكون والطمأنينة
أتوقف لحظات
أناديك وقلب يقفز بين ضلوعي كطفل صغير
أمام المعبر الأخير ألمحك قادمة ترتدين اللون الأحمر
أحببت اللون الأحمر من أجلك
وتعلمت أن أكون ثوريا
وتعلمت أن أحبك
تعلمت أن أكون ثوريا يحبك
أما أنت فحين تفارقيني
تتركين داخلي ذلك اللحن الثوري القديم
فلا أستطيع أن أتحرك
وأنسى أنى كنت فوق النهر
أعود لأرى بركانا من الحب والرغبة الهادرة
أتحول لكائن آخر
كائن يعشق
كائن يحب
كائن يمتلئ بالثورية واللون الأحمر
كائن يمتلئ بعينيك
عينيك أنت فقط من دون النساء
أنت يا صاحبة اللون الأحمر
أيتها الغيورة حتى النخاع
والمحبة حتى النخاع
والأنثى حتى النخاع
وحريقي حتى النخاع
أحبك
أنت فقط من دون النساء
فأنت امرأة حتى النخاع

الثأر الاجتماعي - فكرة للنقاش



القاتل التسلسلي .. الثأر

الثأر .. وما علاقة الثأر بالعقل المصري .. وبعدين إيه حكاية القاتل التسلسلي الاجتماعى دي يا عم .. هل هذا معقول؟ سألنى صديقي وقد اتسعت عيناه من الدهشة ثم استطرد .. ثم إذا قبلنا بفكرة الثأر في العقل المصري .. فكيف انتقلت هذه للمؤسسات ؟
لم أفكر أبداً، أو في أي يوم من الأيام في الثأر كعقيدة مصرية أصيلة، ولكن كلمات مثل (العين بالعين والسن بالسن) لها جذور تاريخية ودينية، وعلى الرغم من أن الدين حض أيضاً على التسامح (عند المقدرة) (فمن عفا وأصلح)، ومع ذلك فإن رائحة الدم وشواء اللحم الحي أقوى من أي تأثير ديني، وهذه واحدة من معضلات هذه الدراسة، من أين أتى هذا التناقض بين سماحة الدين، حتى المسيحية (من ضربك على خدك الأيسر)، وبين الرغبة المتأججة في الثأر، كيف رأى غاندي العجوز الحكمة البينة حين قال" لو اتبعنا مبدأ العين بالعين لأصبح العالم كله أعمى".
لقد تحول ثأر القرية والكفر – ثأر الدم – إلى ثأر معنوي ومادي في المدينة، تحول ثأر القروي وابن الجنوب المبني على الدم والتنكيل بالجسد إلى ثأر لغوي ومعنوي ومادي لدى المثقف، ما الذي فعلته الثقافة بالعقل المصري، في الوقت الذي كان يجب لفكرة الثأر أن تغيب وتتوارى، بفعل الثقافة والمتوارثات الحضارية للعقل المصري، تحولت إلى نوع شيطاني لا يحتمل، تعالوا ننظر إلى المثقف، أستاذ الجامعة –مثلا- حين يشعر بأن أحد أبناؤه من المعيدين أو المدرسين قد انتقد فكرة له بشكل علمي مهذب، تتمحور المسألة بعد قليل من مرحلة عدم قبول الآخر، إلى مرحلة الثأر اللغوي والرفض للآخر بعنف، إلى تهديده في مستقبله وحياته الأكاديمية، ويحمل الطرف الأضعف هذه الغصة والإهانة داخله ليمارسها بشكل أعنف على تلامذته، فلا يبقى ولا يذر.
تبدأ علاقة الثأر في مراحلها الأولى لدى ابن المدينة بعدم قبول الآخر، وتبدأ في التوسع شيئاً فشيئاً إلى حالة الرغبة في القضاء على الآخر تماماً وربما لو استطاع القاؤه في حمض نتريك مركز لفعل، حسناً لقد أنتهينا في هذه السلسلة إلى ما بدأنا منه، كأن الدم هو أول فعل ثأري في التراث، أصبح الدم هو آخر الأفعال في الحاضر المرير.
ما الذي رسخ فكرة الثأر إلى هذه الدرجة في العصر الحديث في العقل المصري ؟ هل ساعدت الديكتاتورية المستمرة على ذلك، وهل كان للسياسة دوراً فعالاً في ذلك وهل طحن المعارضين واعتقالهم ونفيهم وربما قتلهم نوع من الثأر أو القتل الجماعي، والطريق بين قبول الآخر ورفضه !!
أمامي عشرات الحالات لزملاء في الجامعة والمؤسسة والمستشفى والوزارة والإمارة التي ترسخ هذه الفكرة – على الأقل في ذهن العبد لله – ووصل الحال بالبعض إلى الانتحار، كأنه نوع من الثأر من الذات، (بيدي لا بيد عمرو) !.
توقفنا جميعاً أمام حالات ثأر القرية والجنوب، ولم نتوقف أمام حالات ثأر المثقف والمتعلم في المدينة وكل من أعطاه الله هبة ليقف على أمر الناس، هل أستطيع الربط بين الخلية الوراثية للثأر لدى الناس، وتمحور وتطور فكرة الثأر العقلي واللغوي وصولاً للثأر المادي لدى المصريين.
نحن جميعاً لا نحب الدماء، ولكننا نقتل بكل الوسائل الأخرى التي بأيدينا سواء كانت سلطة أو مركزاً أو كرسياً على درجة أعلى على نفس السلم، إن مقاعد الثأر ليست متناثرة عشوائياً، إنها سلسلة من الدرجات على سلم الثأر من الدماء حتى الثأر العقلي، حتى الخنوع والاستسلام في النهاية، كل ذلك يؤكد فكرة متلازمة الثأر، فإن لم تثأر فإنك تنهار على ذاتك وتخنع، تثأر من ذاتك أنت لأنك لا تستطيع الثأر من الآخرين.
إن الثأر يشبه هذا القاتل التسلسلي، يتحول من ضحية إلى أخرى، فإما أن نحتفظ بالشكل نفسه من عملية قتل إلى أخرى، أو نحتفظ بفكرة القتل نفسها من ضحية إلى أخرى، علينا إدراك العلاقة في كل مرة بين كل جريمة ترتكب وأخرى، ولأن الثأر جزء من تركيبتنا الوراثية الثقافية فإننا نرتكب جريمة الثأر أحياناً دون أن نعي، ليس من المهم في كل جريمة أن يكون هناك قتيل، بل المهم إفراغ الشحنة الثأرية من داخلنا، ربما نقف عند أول جريمة نرتكبها وربما تستمر الشحنة في عدد من الجرائم سواء على نفس الضحية أو تنتقل إلى ضحايا آخرين، إنها افراغ شحنة الغضب، تخيلوا ماذا يحدث حين ينقلب الحكم إلى حالة ثأرية بين الحاكم والشعب، بين الحاكم والمثقفين، بين الحاكم ومنتقديه، بين الحاكم والكلاب اللاهثة لإرضاؤه وهؤلاء الذين يراهم كلابا ينتقدوه، عليك أن تقف مع ذاتك وتحاول كشف مكامن الثأر المضاد داخلك، ستجد العديد من الأشكال، ولن تجد أي شيء إذا كنت ملاكاً، إن الثأر قد يتمثل في كلمة وقد يتمثل في بحيرة دماء، وبينهما تقع كل أشكال الجريمة.
إن ثأر الحاكم من الرافضين له، أو الرافضين لفكره يشمل كل التاريخ المصري المعاصر، نحن أمام إعجاز علمي وسياسى واجتماعي وتاريخي في قدرة الحاكم العربي وليس المصري وحده، على التنكيل بكل أعدائه والثأر منهم، بالقائهم في غيابات السجون والمعتقلات والصحراء المغلقة التي تمتلئ بالثعابين والعقارب وكل الحشرات والحيوانات القاتلة، وأداة الثأر دائما هي السجان.
أما الإنسان المواطن الضعيف فهو لا يخلو أيضاً من خاصية الثأر طالما تمكن من ذلك، حتى بعض الحيوانات تتذكر من أساء إليها وتكون لديها قدرة على الثأر حين تتاح لها الفرصة، إذن الثأر غريزة حيوانية لم يستطيع الإنسان تهذيبها أو الارتقاء بها، لقد تمحورت فكرة الثأر لدى الإنسان هنا إلى حد لعين ودامي، تطورت وارتقت لتحل فكرة الانتقام والتنكيل على مستوى جمعي.
تقف عبارة سبينوزا كالغصة في حلقي (كونك عظيماً لا يعني أنك فوق الإنسانية فتتحكم بالآخرين، بل يعني أن تقف فوق الشهوات، وأن تحكم نفسك بنفسك) ائتوني بهذا الحاكم العادل المنزه الذي نظر داخل نفسه أولاً وأرتضى العدل والحكمة والصبر والضمير والحب لكل الناس، هل هذا نبي أم حاكم ؟ ! وللأسف حتى لو ظهر نبي الآن فإن أمن الدولة – في أي دولة من دول العالم الثالث – سيضعه في السجن متهماً إياه بالجنون !! إنه سيتخلص فى تلك الحالة من مصدر تهديد للسلطة وليس مصدر تهديد الدين، وهو مايعكس حالة التناقض بين قبول الحاكم للدين كوسيلة لتثبيت السلطان، وبين قبول الحاكم لأى فكر دينى جديد سيمثل تهديدا لسلطانه!!.
لم نستطع التخلص من فكرة الثأر والإنتقام من كل من أساءوا إلينا عن سوء نية أو حسن نية، لم نستطع الانتقال من فكرة الثأر إلى فكرة التسامح، فلا نحن تسامحنا، ولا نحن أعرضنا عن من أساء إلينا، بل زدنا الطين بلة، وتحولت الثورة البيضاء كما تقول كتب التاريخ العقيمة والمزورة إلى ثورة لم ترحم أحداً في النهاية، ثأرت من كل من اختلف معها، بدعوى مصلحة الشعب، فزار المعتقل أو قتل كل صاحب فكر اشتراكي أو ديني أو وطني، وبقى من جلس على المقعد الثائر الوحيد والثأرى الأكبر يثأر من الجميع بدعوى الدفاع عن مصالح الشعب .. واحترنا في النهاية في تفسير كلمة مصالح وتفسير كلمة شعب !!
ما هي هذه السلسلة البذيئة من حالات الثأر والانتقام التي نمارسها جميعاً بوعي أو بدون وعي، الجميع يثأر من الجميع كأننا في حلقة مفرغة، لقد زرع الثأر داخلنا فكرة الشك، التي تحولت لدى الفرد والنظام إلى أن كل شيء مدان حتى قبل أن ينطق، وتحولت فكرة الشك إلى نظرية المؤامرة وما دمنا قد فقدنا الثقة في أنفسنا فقد فقدناها في كل شيء .. كل شيء !!
تحولت فكرة الثأر لدى رجل الشارع وحتى المثقف إلى حالة دائمة لا شعورية يمارسانها ضد أنفسهما قبل أن يمارسانها ضد الآخرين، وتطورت فكرة الثأر المباشر حديثا، لتحل محلها فكرة الثأر غير المباشر، بمعنى أنه لو أراد كل صاحب يد طولى أن يثأر منك، فإنه لايتوجه نحوك مباشرة، وإنما يبحث عن أحبائك وأكثر البشر اقترابا منك فيثأر منك فيهم، وهنا يتشوش عقلك فتنهار شيئا فشيئا، أصبح للقاتل الاجتماعى التسلسلى فى تلك الحالة شكل جديد، وتحولت من فكرة الدم بالدم، إلى فكرة القول بالقول ثم الأذى ثم الدم على المستوى الفردي والجمعي ليس لها حدود تقف عندها إلا بعد إرضاء كل نوازع الثأر الداخلية، وهانحن جميعا أخيرا نقف على عتبات الثأر الاجتماعى التسلسلى غير المباشر فننهار جميعا ولايبقى شئ، فقد أصبحت كل عيون المجتمع عمياء!!.

مقطع من رواية "ملائكة زمن الهزيمة"



(75)

دخل الضابط الصغير إلى الخيمة أولا وغاب دقائق ثم نادى على فدخلت ومعي الجندى. لم تكن الإضاءة تسمح إلا برؤية ضعيفة للغاية داخل الخيمة حين أتاني صوت الضابط الكبير، وكنت أحاول تخيل ملامحه في هذا الظلام إلا أنني لم أستطع، لكنني لاحظت زجاجة منقوع الصرم التي أمامه والتي كان يشرب منها مباشرة ثم يتوقف لحظات وأدركت بأنه ربما يعرف عمي خضير أو ربما التقاه هنا أو هناك، أو ربما يعرف ( ياني) أيضا. لم أستطع بعد ذلك إلا أن أحدد مكان خروج الكلام منه فانتبهت إليه حين صرخ في وجهي:
- انت اسمك إيه؟
- ..
تطلع إلى الضابط الصغير، وقال كمن تذكر.
- آه انت قلت لي إنه أخرس.. يمكن مش أخرس.. يمكن بيستعبط ..بيستهبل..العيال دي شياطين..(ثم تطلع إلي وسألني) عموما انت بتعرف تكتب؟
(هززت برأسى) فأعطاني ورقة وقلما، اقتربت من مصدر الضوء فيما عاد برأسه إلى الخلف فلم أحاول التطلع إليه. وضعت الورقة على الطاولة وأمسكت بالقلم، توقفت قليلا ثم كتبت، لاأدرى مالذي دفعني إلى أن أكتب إسمي بهذا الشكل الغريب في الظلام، لقد فكرت قليلا في أنني لو كتبت اسمي العادي فربما كنت بالنسبة إليه إنسانا عاديا وربما تحدث مشكلة أكبر مما أنا فيه. وعلى ذلك لابد أن يكون إسمى كبيرا حتى يطلق سراحى سريعا، فكتبت في الورقة.
- إبن أبوللو زيوس..
ودفعت بالورقة إليه في تردد. لقد فعلت مافعلت دون أن أكون متيقنا تماما من النتيجة. لكني كنت متيقنا تماما من العلاقة التي تربطني بأبوللو زيوس، ولم يكن هناك لدي أدنى شك في ذلك، لكنني في نفس الوقت لم أكن متأكدا من أن هذه الفكرة قد يقبلها الآخرون أو لايقبلونها؟ كان امتحانا للفكرة وعلى الآن أن أتقبل كل النتائج. كان القائد يحاول قرائتها وأخيرا نطق الاسم.
- إيه ..؟؟
تطلع إلي طويلا في غيظ ثم أكمل:
- أبوللو وكمان زيوس.. نعم ياروح أمك هو أني ناقص مجانين..
سقط برأسه قليلا ثم عاد لأخذ جرعه من منقوع الصرم، ومسح فمه ووضع الزجاجه، وأخيرا نهض من مكانه في تثاقل واتجه ناحيتي، وقال لى في هدوء غريب، كنت أشعر بصوته خارجا من مكان ما عميق للغاية غير فمه، فأتى ثقيلا :
- اسمك إيه ياوله..
لم أرد أن أكون "نتاشا" أمامه، فاشرت إلى الاسم المكتوب في الورقة، فتطلع للورقة ثم تطلع إلي، وفجأة انهال بكف يده على وجهي، وأدركت في تلك اللحظة مدى الخطأ الذى وقعت فيه، كانت الصفعة من القوة بحيث انطرحت أرضا، وانطلق هو يشوطني بحذائه وأنا على الأرض لاأستطيع حتى أن أصرخ. كان الألم يأتيني من كل الجهات. كنت أشبه بكرة من النار تحترق ولاتستطيع أن تشكو، تقف مكانها لاتتحرك، هل هذا هو الشر؟! لاأدري مالذي دفعني إلى التفكير في ذلك في تلك اللحظة، أم أنني أصبحت مجنونا، وحين انتهى كان صوت لهاثه يتصاعد:
- يابن الكلب طيرت الحبتين اللى في نافوخي.. كنت رايح تقابل مين ياوله..
كان حذاؤه قد طال حاجبي مكان جرحي القديم، وقفصي الصدري وكنت أشعر بأن هناك شيئا ما قد طق فيه، وكدت أصرخ من الألم لكن صوتي لم يخرج أيضا.
- انطق طاعون ياخدك.. كنت رايح للاسرائيليين مش كده..
كنت أتطلع إليه وأنا على الأرض وأنا أكاد لاأرى. كنت قد سقطت إلى الخلف على ظهرى أنتظر حركته التالية.
- لو موتك دلوقت الجيش مش هايحاسبني ولا حد هايحاسبني .. ولا ربنا حتى هايحاسبني.. انت جاسوس مش كده.. جاسوس يابن الكلب.. بتستهبل يابن الكلب وعامللي أخرس.. انطق .. وحياة أمك ماهاأسيبك إلا لما تنطق..
توقف قليلا يلتقط أنفاسه، وقال:
- كنت رايح تقابل مين ياوله..؟
وانهضنى الجندى ودفع لي بالورقة، لم أكن قادرا حتى على التقاط أنفاسي، ووضع القلم بين يدى، وكنت محنيا بالكاد أستطيع الوقوف ، بينما غرقت رأسي في الرمال، ولم أكن أعرف كيف أكتب وأخيرا كتبت.
- كريستينا..
وماأن قرأها مرة أخرى حتى كاد أن يقتلني، حين أمسك بي من قفاي وقذفني نحو المنضدة لأسقط أنا وهي، لولا تدخل الضابط الصغير، الذى أمسك به:
- ياباشا خلاص الوله هايروح في إيدك..
- يروح هو احنا ناقصين.. مش كفاية عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.. واليهود .. والزفت والقطران اللي إحنا فيه، علشان يجيلى ده يقوللي انه ابن .. ابن مين ياله.. وبعدين مين كريستينا مين دى ياوله.. وكمان أبوللو زيوس .. انت اسرائيلي مش كده .. ده أنت ليلة أهلك فل.. أني هاأسهر معاك للصبح.. ماوراييش غيرك الليلة.. كل حاجة ضاعت.. فيها إيه لما تضيع انت كمان..

حين نحلق



لاجدوى من المسير على الأرض، فكل الأفكار اللامعة تأتي من السماء، وكل الأنبياء تأتي من هناك، وكل الكتب السماوية أتت أيضا من هناك، وكل الأحلام، أتت من هناك،
حتى نحن..
حتى نحن
أتينا من هناك..!!
هل يمكن لنا التحليق جميعا في أحاسيسنا الآتية من هنا ؟؟
لماذا نصطدم أنا وأنت دائما؟ هل لأن أحدنا أتى من هناك.. والآخر لم يأت من هناك.. لماذا نلعب أنت وأنا دائما لعبة البيضة ولا الفرخة.. لماذا نطارد بعضنا دائما.. لماذا لاتثقين أبدا في أنني يمكن ذات يوم أن أحملك إلى هناك.. حتى لو كنت أنت الآتية من هناك .. أو كنت أنا الآت من هناك..
ألايمكننا التحليق معا والثقة كل في الآخر..
سيدتي لم يأت أحدنا وحده من هناك.. من السماء
ثقي دائما بأننا أتينا معا.. وسنرحل معا..لماذا؟؟
!!! لأننا أتينا-معا-
نعم معا
أتينا من هناك!!!

July 22, 2007

ابتسام لوقائع لعينة


- قصة قصيرة -

كنت وحبيبتي جالسين في المقعد الهزيل قبل الأخير في تلك الحافلة الضامرة، التي كانت تسير على مهل كامرأة عجوز فشلت في أن تتجمل، تحمل ما لا طاقة لها به، وكان الشرطي الذي لايمكنني تفسير ملامحه بشكل جيد واقفا على مبعدة في الخارج، يلوح لشئ ما لايمكن إدراكه. لاأدري كيف لمحته في هذا الزحام وتلك الظلمة المقبلة، السكون ينفلت في هدوء ليحل على كل الأشياء والكائنات التي تحوطنا بشكل يدعو إلى الأسى، كما كان هناك ذلك الظلام الخفيف الذي يتسلل كلص يحاول أن يسرق ضوء كل الأشياء والكائنات التي كانت تحاول التمرد عليه هو الآخر قبل لحظات من إعلان هيمنته النهائية عليها، وكان الركاب الصاعدون والهابطون غير معنيين بالحرب الدائرة بين الأشياء، وحين توقفت الحافلة للحظات بدأوا يتسارعون ويتزاحمون على الباب الذي أصبح مكوما على مدخل الحافلة كبواب فقير لايعنيه هو الآخر مايحدث، إلى أن أصبح الأمر كله مدعاة للضحك، فلا يستطيع الركاب الهابطون النزول، ولا يستطيع الركاب الصاعدون الولوج إلى داخل الحافلة، حتى توقف كل شئ، فلايمكن صعود أحد ولايمكن هبوط أحد، أتطلع في الوجوه، كلها مرهقة، كأن عالمنا أصبح متاحا فقط للمرهقين وغير المعنيين بالحروب بين الأشياء.
مالت حبيبتي على كتفي الذي امتلأ بدفئها المفاجئ، واقتربت برأسها الصغيره وملامحها التي كانت تغيب أمامي بسبب الظلام سارق الضوء وقالت :
- لازم أروح للدكتور..
ساد صمت متوتر بيننا فجأة، فلم يكن هناك سبب محدد يدعوها إلى أن تقول ذلك، وكنت أحاول جاهدا إدراك مغزى هذه العبارة، حتى سمعت الجميع يرددون فجأة وفي نفس واحد :
- لازم نروح للدكتور..
كأنه كابوس أحمق فجائي، بدأت أردد العبارة داخلي، وأنا أحاول التأكد من أن ماقيل كان يتردد داخلي أنا فقط ولم يأت من الخارج على الإطلاق، تطلعت في وجوههم، كان كل شئ ثابت، كأن صورتنا توقفت في تلك اللحظة، وكأن الكلمات الثلاث التي انطلقت توقفت في الهواء فرأيتها قبل أن أسمعها، ولفت انتباهي أن كل الصاعدين إلى الحافلة كن من الشابات الصغيرات السن، وكنت أنا الرجل الوحيد الجالس في الحافلة، كنت أرى قلوبهن الدامية تهتز هناك في الفراغ قبل أن تتوقف، حاولت التحديق أكثر فرأيت وجوها دون عيون، لم أر عيونا على الإطلاق، كانت عيونا مختبئة خلف الوجوه الصغيرة الضامرة، كأنها قلوب واقفة أو جالسة على المقاعد الهزيلة التي تمزقت جلودها البشرية أو التي كانت يوما ما بشرية، كأنها تبحث عن طبيب هي الأخرى يعيد لها روحها المفقودة، يعيد إليها نضارة الحياة التي بدأت بها، وكانت بقية القلوب الدامية معلقة هناك إلى العوارض الحديدية الصدئة في سقف العربة العاري، كأن الظلام السارق قد ابتلع تلك العيون تاركا تلك الفراغات التي باتت خالية تماما من أي تعبير.
تطلعت إلى حبيبتي الصغيرة فوجدت وجهها هي الأخرى قد تحول إلى نفس وجوه البقية، وجه بلا عيون، لم أر ذلك غريبا أيضا، فالعالم لايبقي على الأشياء كما هي، إما تتغير بذاتها، وإما تتغير عيوننا، لكنني كنت متأكدا من أن حبيبتي كان لها عينان عسليتان كبيرتان، لكن هاهو لون عينيها قد سرقه الظلام المهيمن وخلطه بالصدأ المتراكم على تلك العوارض الحديدية القاسية في سقف العربة والتي ارتضت لنفسها أن تلعب دورا قميئا لم يكن خليق بها أن تلعبه، كانت حقائق الأمر تتقافز أمام عيني مثل أسماك صغيرة على وشك أن تموت بعد أن خرجت من النهر الذي يحتضر هناك بعيدا عنا، ولم أكن أملك سوى تلك الابتسامة المعزية التي أوزعها كيفما أشاء على تلك الوجوه التي بلا عيون، تلك الوجوه المرهقة المنسحبة في الظلام السارق.
تطلعت في مرآة العربة المعلقة التي كانت تمارس دورا تاريخيا يتعلق بممارسة الجنون والرغبة، كأنها كومبارس في فيلم طارئ، هناك بجانب تلك القلوب الصغيرة المعلقة في الأمام، سألت نفسي أيضا إن كانت تلك الوجوه تنوي التطلع في المرآة بعد اليوم، تلك المرآة المشتعلة بأحاسيس لامعة خسيسة، وقلت ربما، ربما تفعل الوجوه ذلك، ولم أكن متأكدا تماما من أن المرآة هي التي ننظر إليها لنتفحص أنفسنا، أو أنها هي التي تنظر إلينا لتعيش اكتشاف قدرتها على جذب الكائن الذي اختار الوقوف أمامها، أو حتى التطلع إلى صفحة وجهها، بعض المرايا تشتعل بالرغبة والجنون وهي تقف أمامنا تلك الوقفة الأبدية لنرى أنفسنا فيها، هل المرآة هي التي تصاب بالجنون، أم هذا الكائن الواقف أمامها، هل يمكن تفسير الأمر على هذا النحو، كنت غارقا في أفكاري الرمادية عن الأشياء التي ليست أشياء.
حقيقة أخرى غائبة عني لاأدري لماذا خطرت على بالي فجأة، ربما بسبب هذا البرد اللعين الذي مايبرح يتسلل بين أقدامي وأقدام حبيبتي فيدور حولهما ويلفهما حتى كادا أن يتجمدا، فتزداد التصاقا بي، هذا البرد الذي يتحالف مع الظلمة والسكون كي نتخاذل ونسقط، ربما أيضا بسبب ذلك الدفء الذي تسلل لعروقي الباردة الهاربة بفعل رأس حبيبتي، هذه الرأس التي أصبحت خالية الآن من كل الملامح، كان الظلام قد سرق كل شئ ولم يترك سوى شفاهنا، كنت أفكر في كيف نترك أشياءنا الحبيبة لوحدتها القاتلة، أكثر الأشياء في حياتنا استمتاعا هي الأسرة، بما فيها من أغطية وحشيات ووسائد، نقضي معها الساعات، نتبادل معها أحاديث صامتة حميمة، والعيون مغلقة وكذلك الآذان، حالة من التوحد مع ذوات الأشياء، حالة آسرة.
إذن لم يكن غريبا أن أسمع جميع من في العربة يردد جملة حبيبتي، وكنت أنا أردد معهم خارجا من إحساسي بتلك الوقائع اللعينة، القابضة على كل مسامي ومسام الأشياء والكائنات حولي:
- مش هانروح للدكتور..
ورغم ذلك وجدتني فجأة أبتسم لهذه الوقائع اللعينة، أبتسم للأشياء التي ليست أشياء، أبتسم قبل أن تختفي.

July 12, 2007

لاصق الأحلام لايعمل جيدا - قصة أخرى قصيرة



كان البحر ملتحما تماما بالسماء في تلك اللحظة الخيالية، لايمكنني تحديد أيهما السماء وأيهما البحر، كأنهما كائن واحد غير منفصل، لولا خمس نقاط ضوئية خافتة، تتلاشى أحيانا وتظهر أحيانا معلنة عن نفسها أنها موجودة بشكل ما، على الناحية الأخرى إلى يساري كان لسان المنتزه يمتد إلى البحر، وكان خيالي يكمل صورة الأشجار السوداء المتناثرة على سطحه ككومة كبيرة معلقة في الهواء بعيدا عن الأرض بأمتار قليلة، وكانت جذوعها مختفية تماما بفعل الأضواء الشديدة القادمة من أسفلها، فكانت تبدو وكانها متكأة على تلك الأضواء الطافية من أسفلها، كأن الأشجار ترفرف بعيدا عن الأرض، وكنت أحدثها في هذه اللحظة عما أراه أمام عيني، عن البحر الملتصق بالسماء وأمواجه الهامسة التي كانت تحكي شيئا للريح لايمكن إدراكه، كأن أحدهما يغوي الآخر، إلا أنها قالت لي فجأة بأنها لاتحب البحر وبأن أخيها قد مات فيه منذ أعوام قليلة ماضية، وصمتت قليلا تلتقط أنفاسها، فيما كانت تسقط كل الأشجار المعلقة بالأضواء ، وكانت الأضواء نفسها تتفجر وتتلاشى وكأن البحر قد بدا صراعه في التخلص من السماء، وكانت الأضواء الخمسة تنحنى لتظهر كخيط ضوء طويل أحمر اللون، وكان صوت الموج يعلو والرياح تزمجر في عنف معلنة عن قوتها، كانت كل خيالاتي تتفكك وتسقط أمامي، وحين عاد صوتها الشاحب للهمس مرة أخرى معتذرة عما قالته، كنت أرى السماء تنفصل تماما عن البحر، وكانا يتصارعان الآن على من يحتل الخطوط الأمامية من نهاية العالم، كنت أعلم تماما الآن بأن لاصق الأحلام لايعمل جيدا هذه الليلة!!

كائنات صغيرة ملونة - قصة قصيرة



ألاحظ اليوم بكثير من الدهشة البريئة ذلك الكائن الذي يطير بين الزهور الصفراء الكبيرة، لاأعلم على وجه التحديد اسما له، لكنه كان شبيها بقمر ينتمي لعالم آخر، حجمه دقيق للغاية، يمتلئ ظهره بدوائر حمراء وبيضاء وسوداء، ألوانه الثلاثة المتناقضة تحجب كينونته الحقيقية عني، تحجب عني مدى علاقته بهذه الزهور الصفراء، يطير في رقة متناهية، بينما أحاول قدر طاقتي أن ألمح أجنحته الشفافة الجانبية।
أحسبه ملاكا جديدا ينضم لطابور الملائكة التي امتلأت بها مخيلتي الصغيرة، فلا تدعني أهنأ أبدا بشروري الصغيرة، مثل الركض وراء الصراصير البنية، وقلبها على ظهرها لبرهة، ورؤيتي لها وهي تفرفر، وتضرب بأقدامها الكثيرة في الهواء، هل كانت تختلق هذه الحركة التي كنت أراها قريبة الشبه بحركة أخي الصغير النائم على ظهره، يضرب الهواء أيضابكفيه وقدميه الصغيرتين للغاية، كان هناك شبها غريبا بينهما، رغم أنهما ينتميان لعالمين متناقضين، لكننى كنت أفترض أن هذه الصراصير هي أبناء عمومتنا، لكنها كانت صغيرة وكثيرة، أما هذا الكائن الدائري الملون فكانت تلك المرة الأولى التي أراه فيها، تحمله الريح في هدوء فيدور على نفسه عدة دورات حتى يستقيم إلى الوجهة التي يريدها، وحين نفخت فيه ارتفع قليلا في الهواء، كان يرتفع ويهبط ويتمايل طبقا لاتجاه نفخاتي، كنت أحاول النفخ بقوة، وكنت أشعر بأنه سعيد باللعب معي، حتى اختفى فجأة.
حاولت التحديق بين جذور وسيقان الأزهار المتشابكة، لكنني كنت أجد الظلام دامسا للغاية هناك، بينما تلتصق بيدي أوحال الطين المتراكمة بفعل أمطار الليلة السابقة، كان الظلام كثيفا في المسافات المطمورة في الأسفل، لكني لم أتعب أو أتراجع، كانت بعض الزهرات الصغيرة الصفراء تسقط تحت قدمي وركبتي الصغيرتين فتنسحق في الأوحال البريئة الساكنة، الساكنة تماما، التي لايسكنها سوى تلك الجذور التي تحاول الصعود لسطح الرؤية، كأنها كانت تريد أن ترى العالم هي الأخرى، وكانت قدمي الصغيرة حين أقف أجدها تشكل خطوطا ومنعرجات لاتنتهي بفعل حذائي الأبيض الجديد، إلى أن عثرت على الكائن اللطيف واقفا هناك تحت تلك الزهرة البيضاء الوحيدة على بعد عدة مسافات قصيرة عني، كأنه اختار كوكبا آخر ليقف عليه، وكان بجانبه كائن آخر من نفس النوع، كأنهما اختارا معا هذا الكوكب الأبيض الصغير المنزوي بين الكواكب الصفراء والجذور ليقفا عليه، كانا ساكنين تماما، إلى الحد الذي شعرت معه بتوقف كل الأشياء عن الحركة، كأن الحياة كلها توقفت هناك، لتبوح لي بسر لم استطع أن أفهمه أبدا، صمت هائل ليس له حدود، فبدأت أتراجع سريعا وأنا أتخيل أنني أتسبب في كوارث لاحصر لها، كوارث كونية متداخلة بسبب ماتفعله قدماي وكفاي، وحين بدأت في التراجع كانت الجذور والسيقان تلتئم من جديد، وتتراجع إلى ماكانت عليه هي الأخرى، وأخيرا انغلق العالم الذي انفتح أمام عيني، كأنه لم يكن موجودا من قبل.