July 12, 2007

لاصق الأحلام لايعمل جيدا - قصة أخرى قصيرة



كان البحر ملتحما تماما بالسماء في تلك اللحظة الخيالية، لايمكنني تحديد أيهما السماء وأيهما البحر، كأنهما كائن واحد غير منفصل، لولا خمس نقاط ضوئية خافتة، تتلاشى أحيانا وتظهر أحيانا معلنة عن نفسها أنها موجودة بشكل ما، على الناحية الأخرى إلى يساري كان لسان المنتزه يمتد إلى البحر، وكان خيالي يكمل صورة الأشجار السوداء المتناثرة على سطحه ككومة كبيرة معلقة في الهواء بعيدا عن الأرض بأمتار قليلة، وكانت جذوعها مختفية تماما بفعل الأضواء الشديدة القادمة من أسفلها، فكانت تبدو وكانها متكأة على تلك الأضواء الطافية من أسفلها، كأن الأشجار ترفرف بعيدا عن الأرض، وكنت أحدثها في هذه اللحظة عما أراه أمام عيني، عن البحر الملتصق بالسماء وأمواجه الهامسة التي كانت تحكي شيئا للريح لايمكن إدراكه، كأن أحدهما يغوي الآخر، إلا أنها قالت لي فجأة بأنها لاتحب البحر وبأن أخيها قد مات فيه منذ أعوام قليلة ماضية، وصمتت قليلا تلتقط أنفاسها، فيما كانت تسقط كل الأشجار المعلقة بالأضواء ، وكانت الأضواء نفسها تتفجر وتتلاشى وكأن البحر قد بدا صراعه في التخلص من السماء، وكانت الأضواء الخمسة تنحنى لتظهر كخيط ضوء طويل أحمر اللون، وكان صوت الموج يعلو والرياح تزمجر في عنف معلنة عن قوتها، كانت كل خيالاتي تتفكك وتسقط أمامي، وحين عاد صوتها الشاحب للهمس مرة أخرى معتذرة عما قالته، كنت أرى السماء تنفصل تماما عن البحر، وكانا يتصارعان الآن على من يحتل الخطوط الأمامية من نهاية العالم، كنت أعلم تماما الآن بأن لاصق الأحلام لايعمل جيدا هذه الليلة!!

كائنات صغيرة ملونة - قصة قصيرة



ألاحظ اليوم بكثير من الدهشة البريئة ذلك الكائن الذي يطير بين الزهور الصفراء الكبيرة، لاأعلم على وجه التحديد اسما له، لكنه كان شبيها بقمر ينتمي لعالم آخر، حجمه دقيق للغاية، يمتلئ ظهره بدوائر حمراء وبيضاء وسوداء، ألوانه الثلاثة المتناقضة تحجب كينونته الحقيقية عني، تحجب عني مدى علاقته بهذه الزهور الصفراء، يطير في رقة متناهية، بينما أحاول قدر طاقتي أن ألمح أجنحته الشفافة الجانبية।
أحسبه ملاكا جديدا ينضم لطابور الملائكة التي امتلأت بها مخيلتي الصغيرة، فلا تدعني أهنأ أبدا بشروري الصغيرة، مثل الركض وراء الصراصير البنية، وقلبها على ظهرها لبرهة، ورؤيتي لها وهي تفرفر، وتضرب بأقدامها الكثيرة في الهواء، هل كانت تختلق هذه الحركة التي كنت أراها قريبة الشبه بحركة أخي الصغير النائم على ظهره، يضرب الهواء أيضابكفيه وقدميه الصغيرتين للغاية، كان هناك شبها غريبا بينهما، رغم أنهما ينتميان لعالمين متناقضين، لكننى كنت أفترض أن هذه الصراصير هي أبناء عمومتنا، لكنها كانت صغيرة وكثيرة، أما هذا الكائن الدائري الملون فكانت تلك المرة الأولى التي أراه فيها، تحمله الريح في هدوء فيدور على نفسه عدة دورات حتى يستقيم إلى الوجهة التي يريدها، وحين نفخت فيه ارتفع قليلا في الهواء، كان يرتفع ويهبط ويتمايل طبقا لاتجاه نفخاتي، كنت أحاول النفخ بقوة، وكنت أشعر بأنه سعيد باللعب معي، حتى اختفى فجأة.
حاولت التحديق بين جذور وسيقان الأزهار المتشابكة، لكنني كنت أجد الظلام دامسا للغاية هناك، بينما تلتصق بيدي أوحال الطين المتراكمة بفعل أمطار الليلة السابقة، كان الظلام كثيفا في المسافات المطمورة في الأسفل، لكني لم أتعب أو أتراجع، كانت بعض الزهرات الصغيرة الصفراء تسقط تحت قدمي وركبتي الصغيرتين فتنسحق في الأوحال البريئة الساكنة، الساكنة تماما، التي لايسكنها سوى تلك الجذور التي تحاول الصعود لسطح الرؤية، كأنها كانت تريد أن ترى العالم هي الأخرى، وكانت قدمي الصغيرة حين أقف أجدها تشكل خطوطا ومنعرجات لاتنتهي بفعل حذائي الأبيض الجديد، إلى أن عثرت على الكائن اللطيف واقفا هناك تحت تلك الزهرة البيضاء الوحيدة على بعد عدة مسافات قصيرة عني، كأنه اختار كوكبا آخر ليقف عليه، وكان بجانبه كائن آخر من نفس النوع، كأنهما اختارا معا هذا الكوكب الأبيض الصغير المنزوي بين الكواكب الصفراء والجذور ليقفا عليه، كانا ساكنين تماما، إلى الحد الذي شعرت معه بتوقف كل الأشياء عن الحركة، كأن الحياة كلها توقفت هناك، لتبوح لي بسر لم استطع أن أفهمه أبدا، صمت هائل ليس له حدود، فبدأت أتراجع سريعا وأنا أتخيل أنني أتسبب في كوارث لاحصر لها، كوارث كونية متداخلة بسبب ماتفعله قدماي وكفاي، وحين بدأت في التراجع كانت الجذور والسيقان تلتئم من جديد، وتتراجع إلى ماكانت عليه هي الأخرى، وأخيرا انغلق العالم الذي انفتح أمام عيني، كأنه لم يكن موجودا من قبل.