July 31, 2007

كل شهر وانتم طيبين॥ ده مش المرتب!!



الأصدقاء والأعزاء
من حدثوني ومن مروا من أمام الباب
ومن دقوا على الباب
ومن دخلوا من الباب
أعلمكم بأني سعيد للغاية هذا الشهر،
لماذا؟؟
لأنه انتهى أولا..
وثانيا لأني شفتكم كتير برضه وقريت لكم تقريبا كلكم..
صحيح لسه فيه حاجات كتير محتاجة قراءة أكبر وأعمق وأكتر لكن على قد ماقدرت..
كده نكمل أول شهر في تلك المدونة..
أتمنى لكم جميعا كل الخير والمحبة
زين

عقد عرفي



عقد عرفي
قصة قصيرة
كانت تلك المرة الأولى لنا كشهود لعقد عرفي، وكان صاحبنا الثالث هو العريس، كنا جالسين في الحافلة نتضاحك رغم الرطوبة الممسكة بصدورنا، تحاول أن لاتذهب أو تتزحزح، كنا نتحايل عليها بضحكنا وتطلعنا في وجوه الجالسين، استغرقت بنا الحافلة ساعة تقريبا حتى وصلنا، ثم أخذنا ندور في الأزقة والحواري حتى اهتدينا إلى مقصدنا، بمرور الوقت توقف الحوار وأخذنا نقلب البصر في الفراغات المتاحة وساكنيها من الأشياء المتناثرة، كان العريس أكبرنا سنا وكنت متأكدا بأنه يبحث في ذاكرته عما سيحتال به على عروسه الجديدة، هل ينقص من عمره عشر سنوات، أم أنه سيبتلع تلك الحبوب السحرية فتنقص من عمره عشرة أخرى، وكان عليه قبل أن نأتي أن يخضع لعملية صبغ شعر لم تفلح تماما أن تنقص من عمره الكثير، تبقت تلك الخصلة البيضاء في نهاية قفاه، كان يحاول مداراتها وهو يضحك:
- الصبغة خلصت لحد كده !
لم يعرف أيضا ماذا يفعل في تلك التجاعيد الممتدة على صفحة وجهه، إلى أن اكتشف لها علاجا عبارة عن دهان سحري فرنسي يمكنه أن يخفيها تماما، وإن كان الطبيب قد حذره من الافراط فيها خشية إصابته بمرض جلدي عويص، لكن يبدو أنه لم يأبه بهذا التحذير فدفع بالدهان إلى رقبته ليتخلص منها، باختصار كان عمره الحقيقي غير معروفا في تلك اللحظة على الإطلاق، كان قد أنقص من عمره حوالي العشرين عامل أو يزيد قليلا وكان مرتاحا تماما لنتائج ماقام به.
أما صديقي الشاهد الأول، فكان متحيرا بما سيوقع به العقد العرفي الأول في حياته، كان شاهدا فقط، وماضير أن تكون شاهدا، فتسجل اسما ليس اسمك، ووظيفة سرية لاتعمل بها، وعنوان مجهولا ليس له في الحقيقة وجود، وفي النهاية توقع بحروف لاهي بالعربية ولاهي باللاتينية "وإنما تقترب من الصينية - شكلا – مادمت لاتعرفها أيضا"، بذلك يمكنه طمس معالم شخصيته كلها، فلايعرف أحد من في الحقيقة قد ترك توقيعه على هذا العقد!.
أما أنا فلم يكن يضيرني الأمر كله، فقد حسمت الأمر تماما منذ البداية، فالحقيقة ليس لها مكان بين العروسين، وبالتالي فلامعنى لوجودها بيننا وبين العريس، ومادمنا لم نتشرف بمعرفة العروس من قبل، تصبح الحقيقة في تلك اللحظة، محض هراء ودجل "أليس كذلك!"، الحقيقة إذن ليس لها مكان، ولن تكون أبدا مانعني، وهكذا حين دخلت من الباب الذي كان قد فتح ونحن نصعد الدرج وأطلت رأس من فوقه لم أستطع أن أتحقق من ملامحها جيدا، وحين دخلنا منه كنت آخرهم في الصف، سلمت بدوري على اليد المعروقة التي ترك عليها الزمان كثير من الدمغات المتباينة بين حروق وجروح وتجاعيد ذات أشكال واتجاهات مختلفة، كانت لوحة فنية قاسية ليد أم العروس، ورغم ذلك كانت المرأة تجلس في هدوء واطمئنان، تصدر عنها بعض الحشرجات والتمتمات مع ابتسامة غريبة لاتغادر وجهها الغائب في الظلام في نهاية الصالة التي جلسنا بها.
أما العروس فكانت تحاول أن تظهر أكبر قدر من المرح، كنت أشعر ببهجتها الداخلية، وكان نهداها قد برزا قليلا خارج مكمنهما، وكان يمكن بسهولة رؤية بعض العروق الخفيفة التي تناثرت على سطحهما رغم البودرة التي نثرتها فوقهما، وكان فستانها قصيرا يكشف عن قدمين قويتين بضتين لايعيبهما بعض الأظافر المهشمة أو المتآكلة الأطراف، وربما لم تلاحظ هي ذلك، وكانت سنتها الأمامية بها جزء مكسور مع بروز خافت فيها يضفي على وجهها الأحمر بعض البلاهة الخفيفة، لكنها كانت تبدو جميلة، وكنت أدرك أنها قدمت عرضا جيدا للعريس ولنا.
كنت جالسا أملأ ورقة العقد العرفي، وكنت أدرك أنه لاتوجد كلمة واحدة حقيقية فيه، حتى اسم العروس لاأدري لماذا انتابني احساس غامض بأنه ليس اسمها الحقيقي، توقفت قليلا عند تاريخ وفاة زوجها السابق الي كان يبدو أنه لم تمر عليه عدة أسابيع، وحين قدمت لنا الشاي والحلوى أدركت بأن كل شئ معد للمرح والضحك، كان كل شئ مضحكا ومزيفا، أو مزيفا ومضحكا، وكان هذا الأمر في حد ذاته أقوى الأشياء التي دفعتني للابتسام، حين اقترب العريس من رأسي وكانت معه رأس صاحبي الشاهد الثاني أيضا:
- هل في العالم حقيقة أحسن من كده..
هززت رأسي الذي كنت أراه منفصل عما يحدث، فقد قال لي صديقي فجأة أيضا:
- إيه العلاقة بين العريس والعروسة وأم العروسة وبيني وبينك في هذه اللحظة؟
أدركت أن صديقي أيضا كانت تنتابه نفس الأفكار، كنت متأكدا تماما أنا وصديقي بعد أن قمنا بالتوقيع أن لاشئ، لاشئ في هذا العالم يستحق أن يكون حقيقيا، حين يتعلق الأمر بممارسة رغباتنا لايمكننا البحث في تلك اللحظة عن الحقيقة، لكني كنت متأكدا من أن ابتسامة المرأة العجوز الماكرة الغريبة، كانت هي الوحيدة التي يمكن أن أدعي بأنها حقيقية لدرجة الرثاء.