August 6, 2007

عن الكتب والحب



الحياة الجديدة لأورهان باموك
على الرغم من أن هذه الرواية نشرت في تركيا عام 1995 ، وتم اعتبارها أسرع الكتب مبيعا في التاريخ الأدبي في تركيا، وعلى الرغم أيضا من أن صاحبها حصل على مجموعة من الجوائز الأدبية العالمية قبل أن يحصل على نوبل، إلا أنها لم تعرف الطريق إلى اللغة العربية إلا بعد إثني عشر عاما عقب حصول أورهان باموك على الجائزة الأشهر على الإطلاق عام 2006.
كما لايمكن التأكيد بأية حال على أن باموك كان ينوي كتابة رواية عن الحب فقط – من وجهة نظره – وتأثير هذا الحب على روح الإنسان بحيث يرتكب أفعالا – حتى حافة الجنون – لم يكن بإمكانه أن يقوم بها في أحواله الطبيعية، لقد استدعى تغير أحوال الرواي أن يعرضه لمسارين مختلفين، أحدهما يتعلق بعلاقته بالثقافة والثاني يتعلق بعلاقته بالمشاعر والأحاسيس وإجمالا بالحب، فعثمان البطل - أو أيا كان اسمه حيث تعددت أسماؤه في الرواية – بطل اجتذبه رحيق لايمكن إلا أن يترك تأثيرا متباينا في حياة الإنسان، هذ الرحيق يتكون في رأيه من الحب والثقافة معا.
يعلن الراوي في مدخل غرائبي " ذات يوم قرأت كتابا فتغيرت حياتي كلها " ، وحين تتقدم في قراءة الرواية قليلا تكتشف بأن هذا الكتاب رآه في يدي فتاة جميلة في مطعم الجامعة، هذا الكتاب يصادفه مرة أخرى وهو في طريقه لمنزله في أحد أكشاك بيع الصحف والمطبوعات، وحين يجد نفسه مدفوعا لشراء الكتاب وتصفحه، يكتشف بأن الكتاب فتح له حياة جديدة موعودة عبر هالة سحرية تظهر مع فتح غلاف الكتاب، تنقلب حياته رأسا على عقب في هذه اللحظة، إنه على وشك أن يهجر كل حياته القديمة ودراسته في الهندسة، يصبح فجأة هائما في تركيا، وفي وديان وسهول الأناضول على وجه التحديد، ومعه حبيبته (جنان) ، بعد أن يرى أن الشخص ( محمد ) الذي كانت تحبه قد قتل رميا بالرصاص في حادث غير مؤكد، فيما كان أبو محمد هذا والذي يدعى دكتور (فاين) قد أرسل خلفه مجموعة من الجواسيس والمتعقبين لمراقبته.
في منتصف الرواية يقول الراوي" دخل البعض في عزلة مع الكتاب، لكن عند بداية الانهيار الجاد، كانوا قادرين على الانفتاح على العالم ونفض حزنهم، كان هناك أيضا الذين حدثت لهم أزمات أو ثورات غضب عند قراءة الكتاب، متهمين أصدقائهم وأحبائهم بكونهم غير واعين بالعالم الذي في الكتاب، بعدم معرفتهم أو رغبتهم في الكتاب، ولذلك ينتقدونهم بلا رحمة لكونهم لايشبهون في أي شئ الأشخاص الذين في عالم الكتاب"، في ظني أن هذا لب العمل، علينا أن نتخيل في تلك اللحظة ماهية هذا الكتاب الذي يمكن أن يحظى بمثل هذا التأثير، خاصة أن لفظة كتاب ترتبط بشكل أو بآخر بالثقافة ، وتأثير الحروف على تغيير العالم.
في جانب آخر يصف باموك أهمية الثقافة قائلا" لكن الشيطان كان غير راض عن سعادتنا، والشيطان هو الذي فكر في المؤامرة الكبرى، واحد من أتباع المتآمر الأعظم كان رجلا يدعى جوتنبرج" وذلك في معرض إشارته إلى مافعلته الكتابة والحروف في تاريخ الإنسانية، وأشار على لسان أحدهم بأن (الحياة هي الكتاب)، وهنا يظهر لنا مأزق هذا العمل فهل الكتاب كان رجس من عمل الشيطان عليه اجتنابه، وبالتالي الحب، وبأن الرغبة في الاكتشاف عمل يتنافى مع الموروث الديني، الحقيقة أن هناك كثير من الأسئلة التي يطرحها عمل باموك، لكن إجابته في النهاية كانت هي الانسحاب وتفضيل الحياة القديمة. يقول في نهاية الرواية "أما بالنسبة لي، جالسا بارتياح في المقعد الأول في الأمام، ناظرا إلى ضوء الشاحنتين القادمتين، أغمضت عيني في ذهول خوف، تماما كما نظرت ذات مرة إلى الضوء الرائع المنبعث من الكتاب، سأنتقل إلى الفور إلى عالم جديد" كان يقصد العالم الذي أتى منه، فلم تكن لديه أدنى رغبة بعد تلك الرحلة المميتة في الحياة الجديدة.
لم تخل رواية باموك أيضا فيمن الاحتفاء بالحياة والأشياء والظلال والأنوار والأحاسيس والنبرات، وقوائم سردية متعددة، فلاتكاد تخلو فقرة من هذه المعاني ، استمتعوا بقرائتها فهي تستحق الكثير!