July 24, 2007

مقطع من رواية "ملائكة زمن الهزيمة"



(75)

دخل الضابط الصغير إلى الخيمة أولا وغاب دقائق ثم نادى على فدخلت ومعي الجندى. لم تكن الإضاءة تسمح إلا برؤية ضعيفة للغاية داخل الخيمة حين أتاني صوت الضابط الكبير، وكنت أحاول تخيل ملامحه في هذا الظلام إلا أنني لم أستطع، لكنني لاحظت زجاجة منقوع الصرم التي أمامه والتي كان يشرب منها مباشرة ثم يتوقف لحظات وأدركت بأنه ربما يعرف عمي خضير أو ربما التقاه هنا أو هناك، أو ربما يعرف ( ياني) أيضا. لم أستطع بعد ذلك إلا أن أحدد مكان خروج الكلام منه فانتبهت إليه حين صرخ في وجهي:
- انت اسمك إيه؟
- ..
تطلع إلى الضابط الصغير، وقال كمن تذكر.
- آه انت قلت لي إنه أخرس.. يمكن مش أخرس.. يمكن بيستعبط ..بيستهبل..العيال دي شياطين..(ثم تطلع إلي وسألني) عموما انت بتعرف تكتب؟
(هززت برأسى) فأعطاني ورقة وقلما، اقتربت من مصدر الضوء فيما عاد برأسه إلى الخلف فلم أحاول التطلع إليه. وضعت الورقة على الطاولة وأمسكت بالقلم، توقفت قليلا ثم كتبت، لاأدرى مالذي دفعني إلى أن أكتب إسمي بهذا الشكل الغريب في الظلام، لقد فكرت قليلا في أنني لو كتبت اسمي العادي فربما كنت بالنسبة إليه إنسانا عاديا وربما تحدث مشكلة أكبر مما أنا فيه. وعلى ذلك لابد أن يكون إسمى كبيرا حتى يطلق سراحى سريعا، فكتبت في الورقة.
- إبن أبوللو زيوس..
ودفعت بالورقة إليه في تردد. لقد فعلت مافعلت دون أن أكون متيقنا تماما من النتيجة. لكني كنت متيقنا تماما من العلاقة التي تربطني بأبوللو زيوس، ولم يكن هناك لدي أدنى شك في ذلك، لكنني في نفس الوقت لم أكن متأكدا من أن هذه الفكرة قد يقبلها الآخرون أو لايقبلونها؟ كان امتحانا للفكرة وعلى الآن أن أتقبل كل النتائج. كان القائد يحاول قرائتها وأخيرا نطق الاسم.
- إيه ..؟؟
تطلع إلي طويلا في غيظ ثم أكمل:
- أبوللو وكمان زيوس.. نعم ياروح أمك هو أني ناقص مجانين..
سقط برأسه قليلا ثم عاد لأخذ جرعه من منقوع الصرم، ومسح فمه ووضع الزجاجه، وأخيرا نهض من مكانه في تثاقل واتجه ناحيتي، وقال لى في هدوء غريب، كنت أشعر بصوته خارجا من مكان ما عميق للغاية غير فمه، فأتى ثقيلا :
- اسمك إيه ياوله..
لم أرد أن أكون "نتاشا" أمامه، فاشرت إلى الاسم المكتوب في الورقة، فتطلع للورقة ثم تطلع إلي، وفجأة انهال بكف يده على وجهي، وأدركت في تلك اللحظة مدى الخطأ الذى وقعت فيه، كانت الصفعة من القوة بحيث انطرحت أرضا، وانطلق هو يشوطني بحذائه وأنا على الأرض لاأستطيع حتى أن أصرخ. كان الألم يأتيني من كل الجهات. كنت أشبه بكرة من النار تحترق ولاتستطيع أن تشكو، تقف مكانها لاتتحرك، هل هذا هو الشر؟! لاأدري مالذي دفعني إلى التفكير في ذلك في تلك اللحظة، أم أنني أصبحت مجنونا، وحين انتهى كان صوت لهاثه يتصاعد:
- يابن الكلب طيرت الحبتين اللى في نافوخي.. كنت رايح تقابل مين ياوله..
كان حذاؤه قد طال حاجبي مكان جرحي القديم، وقفصي الصدري وكنت أشعر بأن هناك شيئا ما قد طق فيه، وكدت أصرخ من الألم لكن صوتي لم يخرج أيضا.
- انطق طاعون ياخدك.. كنت رايح للاسرائيليين مش كده..
كنت أتطلع إليه وأنا على الأرض وأنا أكاد لاأرى. كنت قد سقطت إلى الخلف على ظهرى أنتظر حركته التالية.
- لو موتك دلوقت الجيش مش هايحاسبني ولا حد هايحاسبني .. ولا ربنا حتى هايحاسبني.. انت جاسوس مش كده.. جاسوس يابن الكلب.. بتستهبل يابن الكلب وعامللي أخرس.. انطق .. وحياة أمك ماهاأسيبك إلا لما تنطق..
توقف قليلا يلتقط أنفاسه، وقال:
- كنت رايح تقابل مين ياوله..؟
وانهضنى الجندى ودفع لي بالورقة، لم أكن قادرا حتى على التقاط أنفاسي، ووضع القلم بين يدى، وكنت محنيا بالكاد أستطيع الوقوف ، بينما غرقت رأسي في الرمال، ولم أكن أعرف كيف أكتب وأخيرا كتبت.
- كريستينا..
وماأن قرأها مرة أخرى حتى كاد أن يقتلني، حين أمسك بي من قفاي وقذفني نحو المنضدة لأسقط أنا وهي، لولا تدخل الضابط الصغير، الذى أمسك به:
- ياباشا خلاص الوله هايروح في إيدك..
- يروح هو احنا ناقصين.. مش كفاية عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.. واليهود .. والزفت والقطران اللي إحنا فيه، علشان يجيلى ده يقوللي انه ابن .. ابن مين ياله.. وبعدين مين كريستينا مين دى ياوله.. وكمان أبوللو زيوس .. انت اسرائيلي مش كده .. ده أنت ليلة أهلك فل.. أني هاأسهر معاك للصبح.. ماوراييش غيرك الليلة.. كل حاجة ضاعت.. فيها إيه لما تضيع انت كمان..

1 comment:

Anonymous said...

تخياتي اليك اولا:
فرصتي و جات لحد عندي طبعا انت عارف انا قد ايه بحب ملائكة زمن الهزيمة- لكن بحب اسمها الاول اكتر -روايتك بها نوعا من الحب لبور سعيد و سرد لاحداث مضت بها باسلوب ما يميزه هو بساطته و بطلة الصغير الذي اعشقه و طبعا دة مش جديد عليك لكن الاكثر من كل هذا روعة السرد
سعادتي بالمدونة لا توصف فمنذ سنوات .
و انا اتمني هذا اليوم الذي اري فيه كتاباتك و قد انارت عالمنا الصغير
يارب تحقق كل ما تتمناه و اللي انا اتمناه لك فلا يرضيني سواه
كتاباتك بها خيوط من المشاعر الممتزجة بالحنين و الحيرة و الحب و الكثيير لذلك فهي تصل سريعا الى باب القلب و لا تحتاج الى رسول لها
فكرة المدونة اكيد جميلة بس - انا هترفد كدة- انا طول النهار بقرالك - و بعدين طوال النهار مبتسمة في المكتب نظرات غريبة تحيطيني اعتقد انهم يفكرون في امرين - يا انا اصابني مس من الجنون - او بفكر في محمد - و اعتقد ان الاول هو الارجح
ربنا يستر على العموم فداك الشغل و كل شىء المهم تكتب عايزة اشوف الموقع مليان كتابات
همسه
ريهام عنتر