August 19, 2007

حين غنت أمي



كان يخيل لي أن أمي حين تغني ، تغني لمتخيلين يعيشون فوق كوكب الزهرة، أو أقرب إلينا قليلا، على القمر مثلا أو لبشر يعيشون هناك بين نقطتين مضيئتين في قلب السماء، ولم أكن أظن أن أحدا يمكنه أن يسمعها.
كانت تبدأ في ذلك أثناء إعدادها للطعام في انتظار قدوم اخوتي من المدرسة وكنت أصغرهم، وكنت مستمعها الوحيد، أما فكرة وجود مستمعون آخرون على كوكب الزهرة أو القمر، فذلك لأنني كنت أعتقد اعتقادا جازما لم تستطع أن تفتته الأيام بأن أناسا أجمل منا بكثير يعيشون هناك، وأنهم اصحاب الحق الوحيد – بعدي - في سماع أغاني أمي، وأنه لاأحد على الأرض يمكنه إدراك قيمة غناء أمي، على الأقل في الشارع الذي نقطنه.
بعد انتهائها من أعمالها المنزلية تقوم بإعداد المائدة وتغيير ملابسها، وتضع زهرة بيضاء في شعرها لم أكن أدري من أين تأتي بها، ثم تتوقف عن الغناء، وحين تتوقف أنصت لتلك الخبطات المكتومة التي كنت أسمعها آتية من الحوائط ، وكانت هي تبتسم فكنت أبتسم بدوري، ثم نجلس إلى المائدة ويدخل إخوتي وأبي.
كنت أظن أن تلك الخبطات هي تصفيق هؤلاء الذين يعيشون هناك على كوكب الزهرة أو القمر أو بين النقطتين المضيئتين البعيدتين، وحين يأتي المساء أهرب إلى أحضانها حيث تغني لي في صوت هامس لايسمعه سواي في تلك اللحظة.
وحين ماتت أمي وكنت كبيرا، وايقنت أنني عشت طويلا على الخزعبلات والأوهام التي ترهلت في عقلي، وتأكدت أنا أحدا لم يفتقد غنائها سواي، كان قد مر على وفاتها عدة أيام قليلة، وكنت في المساء وحيدا في المنزل، دق جرس الباب، وكان الظلام مسيطرا، حتى أنه ابتلع كل الظلال التي كان الضوء يتركها هناك على الدرج، وحين فتحت الباب لم أستطع التحقق من ملامح القادم الذي سألني
- انت ابن الست اللي كانت بتغني
- أيوه.. انت مين؟
- مش مهم .. أنا حبيت بس اقولك إننا هناك في كوكب الزهرة نفتقد غنائها للغاية.. البقية في حياتك..!!

3 comments:

Anonymous said...

بسم الله الرحمن الرحيم

لا اعرف اذا كنت تعلم ان تعلق الطفل بصوت امه يرجع الى فترة الحمل ام لا حيث يكون هو اول صوت يستمع اليه و يعشقه فيعشق حكاياتهاالتى تسردها اليه من عالمها لعالمه و غنائها له و يستمر هذا الحب الى مرحلة الطفولة
لانه يجد نفسه البطل و الحبيب الوحيد لها، يعشقه اكثر اذا كان في صورة غناء .اتذكر اخي الصغير الذي كنت اغني له ليلا و نهارا و ذات يوم غنت له امي اغنية صغيرة - لم تكن اجمل مما تغنيت بهم من قبل -
فوجدته سعيدا سعادة لا توصف و اخذ يطالبني بنفس الاغنية و لكني وجدت ان تعلقة بها لصوت امه الذي يبحث عن حنانها من رقه صوتها .
لا يوجد ما هو اجمل من روعة مشاعر الام
ورقتها
عارف ده تعرفة في ابسط شىء عند انقطاع التيار الكهربائي فيستمع الابن الى صوت ياتي من بعيد وهو يردد " ما تخافش فيشعر" بالامان و ينسي الظلام التى هو فيه
الله عليك بجد انت راجع بقوة
هاييييييييييييييييل
استمر
همسه

كراكيب نـهـى مـحمود said...

لن اداري الدموع التي اغرقت وجنتي وانا اقرا ما كتبته ثم اعيده
حسنا ستعجبك روايتي الجديدة تلك التي تتكلم في جزء منها عن الامهات الساحرات الاتي تبكي عليهن النجوم حين يغادرن ويصمت صوت غنائهن للأبد إلا من همس سحري يتسرب ليحتوينا ويلثم ارواحنا الحائرة اعجابي الشديد بالكلمات كل التقدير

إيمان said...

حتى أصوات أمهاتنا دون غناء فهو موسيقى وروح حياتنا..وحين تغنى نشعرأن الدنيا بأسرها أصبحت عرس كبير
وصمتها موت لكل شىء أو معنى فلا معنى لشىء إلا بها